تختلف وجهات نظر طلاب الجامعات الأميركية من اليهود، حول الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، بين شعور بـ”الخوف والألم” من جانب، و”الانضمام للتظاهرات” الرافضة للحرب من جانب آخر، بينهما يشير آخرون إلى “فروق دقيقة” بين وجهتي النظر، حسبما يشير تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
مشاعر “متضاربة”
وبالنسبة لطلاب الجامعات اليهود، هذه لحظة من المشاعر الشديدة والمتضاربة في بعض الأحيان، حيث تشهد العديد من الجامعات في الولايات المتحدة “احتجاجات صاخبة ضد سلوك إسرائيل في الحرب”، وفق الصحيفة.
وتشير الصحيفة إلى ما تسميه “أسئلة عميقة” حول ما يعنيه أن تكون شابا يهوديا في الولايات للمتحدة في عام 2024.
وبالنسبة للبعض، فإن الشعور المهيمن لديهم هو “الخوف والألم”، بينما انضم آخرون إلى المحتجين، معتبرين أن معارضة الحرب في غزة فرصة ليعيشوا القيم اليهودية التي تعلموها أثناء نشأتهم حول العدالة وقيمة الحياة الإنسانية.
وقالت الحاخامة جيل جاكوبس، المدافعة عن حقوق الإنسان التي تساعد في تدريب الطلاب الحاخامات وغيرهم: “الكثير من الطلاب الذين تحدثت معهم في الأشهر القليلة الماضية كانوا ممزقين ومرتبكين حقا، لكنهم لا يشعرون أن بإمكانهم طرح أسئلتهم”.
ويبقى الطلاب اليهود في حالة تأرجح بين مشاعر “القلق بشأن سلامة إسرائيل ومصير الرهائن، والخوف من تصاعد معاداة السامية في الداخل، والتعاطف مع الفلسطينيين”.
وأضافت “إنهم مرعوبون مما يحدث في غزة وأيضا مما حدث في 7 أكتوبر ومعاداة السامية.. إنهم لا يرون نماذج كافية لكيفية التعامل مع كل شيء”.
“الجميع خائفون قليلا”
كانت رؤية مخيم شبيه بما أقامه المحتجون في جامعة كولومبيا يمتد إلى جامعة بيتسبرغ في الأيام الأخيرة “أمرا مرعبا” لأليتزا هوخهاوزر، رئيسة جماعة حاباد اليهودية الأرثوذكسية في الحرم الجامعي.
وقالت الفتاة إنها رأت لافتة “قواعد” في المخيم تضمنت عبارة “لا تتحدث مع الصهاينة”.
وتنص القواعد أيضا على “أن نحب بعضنا البعض”، وهو ما وجدته متناقضا، وقالت إن أحد الأشخاص داخل المخيم طلب من صديقة لها “العودة إلى أوروبا”.
وأضافت” إنهم يفترضون أن (الطلاب اليهود) يريدون موت مجموعة معينة من الأشخاص، وهذا غير صحيح على الإطلاق… فما يريده الجميع هو السلام”.
وفي بعض الأحيان يكون هناك حوار مثمر في الحرم الجامعي، ولكن في أحيان أخرى يكون الأمر صعبا، فبعض الناس لا يريدون حقا التحدث بشكل بنّاء، على حد تعبيرها.
وأكدت أن “الجميع خائفون قليلا بشأن ما سيؤول إليه الأمر”.
الشعور بـ”خطر شخصي”
وفي استطلاع أجراه مشروع للأمن والتهديدات تابع لجامعة شيكاغو، في ديسمبر ويناير، أفاد 19 بالمئة من طلاب الجامعات أنهم يشعرون “بخطر شخصي”، بسبب دعمهم لإسرائيل أو الفلسطينيين.
لكن هذه المشاعر كانت أكثر انتشارا بين “الطلاب اليهود والمسلمين”، حيث قال أكثر من نصفهم إنهم يشعرون بالخطر.
ووجد الاستطلاع أيضا أن 13 بالمئة من طلاب الجامعات وافقوا أو لم يوافقوا أو اختلفوا مع عبارة “عندما يتعرض اليهود للهجوم، فإنهم يستحقون ذلك”، وقال 17 بالمئة نفس الأمر عن مؤيدي إسرائيل.
وكشفت “هيليل إنترناشيونال”، وهي شبكة رئيسية من الجماعات اليهودية في الحرم الجامعي، إن أعضاءها سجلوا أكثر من 1350 حادثة تعتبر معادية للسامية، بما في ذلك منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وأعمال التخريب والاعتداءات والمضايقات منذ هجوم 7 أكتوبر، وفق “واشنطن بوست”.
وأشار آدم ليمان، الرئيس والمدير التنفيذي للمجموعة، إلى أن ذلك يشمل أكثر من 400 عمل تخريبي.
الشعور بـ”عدم الأمان”
وتعد الاحتجاجات والإجراءات المؤيدة للفلسطينيين شائعة في كليات كليرمونت، وهي شبكة من المدارس خارج لوس أنجلوس.
ويحاول بن كوهين، وهو طالب في كلية بيتزر، المشارِكة في الاحتجاجات، الابتعاد لكنه قال إنه “لا يستطيع إلا أن يشعر بعدم الارتياح… بل وحتى بعدم الأمان”.
وأضاف:” لقد رأيت صلبانا معقوفة في الحرم الجامعي… لقد تم وصفي بـ(يهودي قذر) لارتدائي نجمة داود في الحرم الجامعي”.
وأشار كوهين، الذي نشأ في مقاطعة مارين بولاية كاليفورنيا، إلى أنه في المدرسة الإعدادية، قام شخص ما بوضع صليب معقوف في حقيبة ظهره، وفي المدرسة الثانوية، رأى التحية النازية.
وأضاف” لقد تعاملت مع هذا الأمر منذ أن كان عمري 13 عاما، والآن هذه هي أكثر معاداة للسامية شهدتها على الإطلاق”.
لكنه أكد أنه “لا يزال يرتدي بفخر نجمته المعلقة على قلادة”، وقال: “أشعر وكأنني أحمل الآن رابطا أقوى باليهودية.. في اللحظة التي ننكسر فيها.. وينكسر شعبنا.. وعندها يفوزون”.
لحظة “تعايش”
وبينما كان بعض طلاب بيتزر يشعرون بأنهم يتعرضون للهجوم، وصف عزرا ليفينسون، وهو طالب في السنة الأولى هناك من هاواي، تجربة مختلفة تماما.
ليفينسون هو أحد منظمي منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”، التي ترفض دولة إسرائيل الحالية وفكرة الدولة القومية اليهودية التي يتمتع فيها اليهود بحقوق أكثر من غيرهم، ونظمت المجموعة عدة احتجاجات في الحرم الجامعي في الأشهر الأخيرة.
وقال ليفنسون: “الأمر الحاسم الآن هو اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف الخسائر في الأرواح ومعالجة حقيقة أن إسرائيل تقتل الفلسطينيين وتجبرهم على ترك منازلهم على نطاق واسع.. ويُرتكب هذا باسمنا كيهود”.
ويظهر “استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث” حول الحرب في فبراير، أن الأميركيين الأصغر سنا، واليهود الأميركيين الأصغر سنا، أكثر تحفظا بشأن دعم إسرائيل من نظرائهم الأكبر سنا.
على سبيل المثال، قال 26 بالمئة من اليهود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، إن الرئيس الأميركي، جو بايدن، يفضل الإسرائيليين أكثر من اللازم، وفقا للاستطلاع.
وأظهر استطلاع شيكاغو ريبورت كيف يمكن لأشخاص مختلفين تفسير نفس الكلمات بشكل مختلف.
وعلى سبيل المثال، فسر 66 بالمئة من الطلاب اليهود عبارة “من النهر إلى البحر” على أنها تعني “يجب على الفلسطينيين أن يحلوا محل الإسرائيليين في المنطقة، حتى لو كان ذلك يعني طرد اليهود الإسرائيليين أو إبادتهم جماعيا”.
ومن بين جميع الطلاب، فسر 26 بالمئة نفس العبارة على أنها “دعوة لدولتين، جنبا إلى جنب”.
وفي جامعة ييل في نيو هيفن بولاية كونيتيكت، كان الطالب الجديد إيليا باكال، البالغ من العمر 19 عاما، يشعر أيضا بالانتعاش الروحي من خلال التواصل مع الأشخاص في كلا المعسكرين في هذه المناقشة.
وقال:” لا أرى أي تناقض.. والعمل من أجل خلق (عالم أكثر عدلا ومساواة) هو جزء لا يتجزأ من يهوديتي وروحانيتي”.
وأكد أن الاحتجاج على الحرب منحه “ارتباطا روحيا واضحا لأول مرة”، مما أدى إلى تعميق إيمانه وليس التشكيك فيه.
وكان القادة في المركز اليهودي سليفكا قد طلبوا من باكال قبل عدة أسابيع إلقاء خطاب، السبت الماضي، حول السؤال، “ماذا تعني اليهودية بالنسبة لك؟”.
لقد عمل بجد على مقال حول مدى أهمية الطقوس اليهودية والمركز والحرم الجامعي للمجتمع اليهودي بالنسبة له، وكيف أن الوحدة التي يشعر بها هناك تتشكل “من تنوعنا العميق”، ولم يذكر حديثه الحرب أو السياسة بشكل مباشر.
وفي ليلة الخميس، أخبر القادة في سليفكا باكال أن “أحد الموظفين سيلقي المحاضرة بدلا من ذلك”.
“فروق بسيطة”
لطالما عارضت لورين هاينز، الطالبة في جامعة ميشيغان، حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو.
وباعتبارها رئيسة وطنية لـ (J Street ) الفرع الطلابي لمجموعة مناصرة ليبرالية، فإنها تدعم حل الدولتين حيث يعيش الفلسطينيون في سلام إلى جانب الإسرائيليين.
وهي تشعر بالرعب من عدد الفلسطينيين الذين قتلوا بالقنابل الإسرائيلية، ومع ذلك، فهي تدعم وجود دولة إسرائيل وتشعر بقلق بالغ إزاء أعمال التخريب في الحرم الجامعي والتعليقات البغيضة، بما في ذلك دعوة زعيم الطلاب إلى “الموت والمزيد” لكل من يدعم “الدولة الصهيونية”.
وقالت إن “التمسك بوجهة نظري، التي تتسم بالفروق الدقيقة والتعقيد، أمر صعب حقا”، مضيفة” بصراحة، الأشهر الستة الماضية كانت جحيما”.
وأكدت هينز (21 عاما) أنها “لا تعتقد أنه ينبغي عليها الاختيار بين الإسرائيليين الأبرياء والفلسطينيين الأبرياء”، مشيرة إلى أنه “يجب على الناس أن يدافعوا عن الفلسطينيين وينددوا بمعاداة السامية”.
وقالت: “أقول دائما للناس إنني أقف إلى جانب الإنسانية.. وهو رأي لا يحظى بشعبية في الحرم الجامعي لسبب ما… هناك أشخاص على كلا الجانبين يتألمون الآن”.
رغم فض اعتصامهم.. طلبة جامعة جورج واشنطن يواصلون احتجاجاتهم
فضت إدارة جامعة جورج واشنطن، السبت (27 أبريل)، اعتصام بعض الطلبة الذين اجتمعوا في حديقة واقعة داخل الحرم الجامعي، وذلك إثر مبيتهم ليلتين في الخيم التي نصبوها الخميس، لكن الطلبة نصبوا خيما جديدة في الشارع المحاذي للحديقة في تحد لقرارات الجامعة.
واندلعت الحرب إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق على مناطق ومواقع محاذية لقطاع غزة في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وخلال هجوم حماس، خُطف أكثر من 250 شخصا ما زال 129 منهم محتجزين في قطاع غزة، بينهم 34 توفوا على الأرجح، وفق مسؤولين إسرائيليين.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء على الحركة” المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما أسفر عن مقتل أكثر من 34 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس.